عشرات النداءات والمقالات التي نادت ولا زالت تنادي بمعالجة الملف الأمني الفلسطيني خاصة ،والعربي عامة ، هذا الملف الذي ندفع يوميا ثمن إهماله والتغاضي عنه سواء عن قصد أو بدون قصد ،
علي الصعيدين الفلسطيني الداخلي والخارجي ، والعربي عامة ، وعلى صعيد القوى والفصائل الوطنية المقاومة التي تعتبر هي اكبر ضحايا هذا الإهمال واللامبالاة ، ونتيجة موضوعية ومنطقية أن تفقد حركات التحرير وفصائلها خيرة قادتها ومناضليها . فاستشهاد عماد مغنية في دمشق العاصمة السورية والتي تعتبر من أكثر المناطق مواجهة أمنية مع إسرائيل لا يعتبر الحالة الوحيدة والفريدة التي نجحت فيها إسرائيل باغتيال قائد أو مناضل ولن تكون الأخيرة حتماً في ظل هذا السقوط الأمني المتكرر والذي يغلق بمجرد بيان ينعي الضحية ، ويلقي المسؤولية على عاتق جهاز الموساد الإسرائيلي ، وتبدأ الحالة بالترهل رويدا رويدا حتى يسقط شهيد أو ضحية أخرى ويتكرر المشهد ذاته . بغض النظر عمن يتحمل مسؤولية اغتيال الشهيد عماد مغنية ، ومن يقف خلف عملية الاغتيال ، والأيدي التي طالته وهو افتراض في أكثر العواصم أمنا وحماية ، وذلك لما تمثله دمشق من خط مواجهة حيوي مع إسرائيل . فهي العاصمة الوحيدة مع بيروت التي لا تربطها اتفاقيات سلام ، كما أنها العاصمة الوحيدة التي تحتضن رموز العمل الكفاحي الوطني الفلسطيني والعربي ، والعاصمة الوحيدة التي تعتبر مركز انطلاق الفعل الإيراني السياسي والاستخباراتي الذي يشكل أحد روافد الدعم اللوجستي لحزب الله ومقاتليه ، إضافة للأهم وهو المواجهة بين أركان النظام السوري وأجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من جهة والأجهزة المعادية الأخرى من ناحية أخرى . كل ذلك يتطلب حزاما أمنيا فاعلا ومؤثرا وعصيا على الاختراق تحت أي ظرف أو مبرر كان. فالخطأ هنا خطأ نتيجته الفعلية والأولية الموت ، كمن يعبث بقنبلة شديدة الانفجار فالخطأ الأول هو الخطأ الأخير ولا خيار ثالث . عشرات القادة والمناضلين اغتيلوا سواء في العواصم العربية أو البلدان الأوروبية آخرهم كان الشهيد فتحي الشقاقي الذي تم اغتياله رغم كل عمليات التخفي والتمويه التي قام بها ، إلا انه تم تعقبه واغتياله ، ومرت هذه العملية مرور الكرام كسابقاتها من العمليات دون أن تشكل لجنة تحقيق تتوصل للحقيقة ، أو بأضعف الإيمان أن تكون تجربة أمنية تتعلم منها أجهزة الأمن في الحركات المقاومة ، وكلنا نحتسبه شهيدا عند الله ، ونسلم بالقدر دون أن نكلف أنفسنا بالعناء والتعب ، رغم أن المولي جل شأنه دعانا للأمن ، واهتم بموضوع الأمن في الإسلام الذي اتخذ حيزا واسعا لما له صله بحياة الإنسان والمجتمع ، كما أن المولى جل شأنه حثنا على الأخذ بالأسباب ، والدراسة والبحث والاحتياطات ، تصديقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "اعقلها وتوكل" أي أوثق عقالها ، ولم يقل اتركها وتوكل. لست هنا بصدد التفسير الديني فهو ليس مجال للحديث سوى من باب الاستذكار بالجانب الأمني للمسلم ولأي إنسان . تناقلت وسائل الإعلام خبر الانفجار الذي حدث بدمشق وتضاربت الأنباء حوله ، وفي نقله فتارة نسمع انفجار سيارة مفخخة ، وأخرى قنبلة ، حتى أعلن حزب الله بعد عشر ساعات الخبر استشهاد عماد مغنية القائد العسكري لحزب الله ، هذا التضارب فتح أمامي ملف اغتيال الشهيد خليل الوزير "أبو جهاد" في تونس حيث أن فرقة الكوماندز التي نفذت العملية لم تجد رغم المسافات الطويلة التي قطعتها من إسرائيل إلى تونس أي صعوبات في طريقها ، ولم تكشف عمليتها سوي بعدما غادرت الأراضي التونسية محققة أهدافها ، كما حققتها سابقا في بيروت بعملية اغتيال الكمالين ، وهنا يتبادر للذهن سؤال غاية في الأهمية والخطورة من يقدم الدعم اللوجستي لهذه الفرق التي تنفذ هذه العمليات ؟! مع التنويه بأن هذا الدعم اللوجستي يتوفر لها في عمليات الإنزال والتنفيذ والانسحاب مع الملاحظة بأن الحديث يدور عن عمليات تتم في دول سيادية تتمتع باستقرار أمني وسياسي ولديها أجهزة استخباراتية ، وقوات حدودية ، وبحرية ، وجوية ..الخ. ونفس السؤال ينطبق على عملية اغتيال الشهيد عماد مغنية وعلى عشرات عمليات الاغتيال ، وحتى لا أنحرف في الطرح ، ويفسر بأنه اتهام مباشر للعموم وللأنظمة وسيادتها لابد وأن نجد الإجابة كمواطنين عرب ندفع الثمن من آلامنا على هؤلاء القادة ، وحسرتنا على أبنائنا المخلصين ، كما إننا ندفع من ضرائبنا وقوتنا لبناء وتدعيم هذه الأجهزة الأمنية والاستخباراتيه التي من أولويات مهماتها الحفاظ على أمننا ، وحماية أمن الوطن والبلد ، فلا يتصور عاقل أن كل نظام عربي يمتلك عشرات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وغير قادرة على توفير أدنى متطلبات الأمن للمواطن في بيته ، وهو بين أبنائه وأطفاله وأهله. القضية لا تقتصر على عمليات الاغتيال التي تتم في العواصم العربية فقط بل وتنطبق على عمليات الاغتيال التي تتم في الداخل الفلسطيني أيضا ، والتي منذ ثماني سنوات تتم بشكل أصبح روتينيا ، إن لم يكن شبه يومي ، فقدنا من خلاله عشرات القادة والمناضلين أمثال أبو علي مصطفي ، والشيخ أحمد ياسين ، وعبد العزيز والرنتيسي ، وصلاح شحادة ، وياسر عرفات ، وعشرات قيادات العمل الميداني ، دون أن يضع لنا أي حزب أو حركة نتيجة التحقيق الذي أجراه ، أو دون التعلم من التجارب السابقة ، كل المؤشرات تؤكد أن الجانب الأمني ساقط ومنهار كلياً سواء علي صعيد الأجهزة الأمنية الرسمية ، أو على صعيد الأجهزة الأمنية الحزبية الداخلية ، وليس مبررا ما سيتم طرحه من أن الساحة الداخلية لها ظروفها الخاصة ، نعم لها ظروفها الخاصة ولكن هذه الظروف لا تقف مانعاً أو عائقا أمام الحفاظ على الأرواح ومأمن القادة والمناضلين ، بل هي حافز ودافع لزيادة العمل علي هذا الصعيد ، وعلي الاهتمام به وجعله أولوية أولي من أولويات العمل . كانت الأحزاب والقوي الوطنية سابقا تلقي المسؤولية على كاهل أجهزة الأمن في السلطة الوطنية بعد كل عملية اغتيال ، حيث كان المبرر للابتعاد عن المسائلة ووضع علامات الاستفهام حول دور الأجهزة الأمنية الحزبية الداخلية ، حيث أنه من بديهيات العمل أن كل حزب لديه جهاز أمني يوازي الجهاز العسكري في الكفاءة والأداء ، فكيف يحاكم الجهاز العسكري ولا يحاكم الجهاز الأمني؟ إذ كان عماد مغنية قد أدرك مصيره ونهايته منذ أن اختار هذا الدرب البطولي ، ووضع روحة وجسده أمانة مؤقتة على الأرض ، فإن من واجبنا الحفاظ على هذه الأمانة ، وأن نكون أكثر قدرة على الإدراك ، فالموساد وجميع أجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لم تمنع عملية اغتيال الوزير زئيفي والعديد من العمليات الأخرى وهذا مدلول على قدرتنا بالعمل والحماية ، والتأمين ، والرد ، وأن إمكانياتنا التي نضعها كمبررات لا وجود لهذه المبررات في عالم الفعل الحقيقي إن عقدنا العزم علي العمل ، واحترام عقولنا ولو للحظة . فالقاتل واحد ولا زال يصول ويجول والحقيقة تحتاج لثورة جريئة لنعلنها ، وعلينا السؤال مرة أخرى لماذا تغاضت كل قوانا الوطنية ودولنا العربية عن كشف نتائج عمليات الاغتيال التي طالت أشرف أبناء الأمة؟ قُتل وديع حداد في بغداد ، وقُتل الشقاقي وهو مغادر طرابلس ، وقُتل خليل الوزير في تونس ، وقُتل أحمد ياسين في غزة ، وقُتل أبو علي مصطفي في رام الله ، وقُتل كمال ناصر وغسان كنفاني في بيروت ، وقُتل عماد مغنية في دمشق .. فمن المسؤول ؟!