يوم الأرض يوم الكرامة
مآسي العرب كثيرة ونكساتهم متوالية، وها نحن اليوم 30 من مارس/آذار نفتح صفحة من سجل المعاناة والقهر والتنكيل حيث تعود بنا الذكرى إلى نفس هذا اليوم من سنة 1976 عندما استولت العصابات الصهيونية على المزيد من الأرض العربية وأمعنت قتلا في الشعب الفلسطيني المحتج على المظالم الهمجية.
إذن ونحن نذكر بهذه المجزرة، لا بد أن ندعو الأحرار والشرفاء ورجال المقاومة والجهاد إلى رفع أصواتهم عاليا ليصرخوا في وجه المتخاذلين والمساومين على بقية الأراضي وأن يستمروا في معركة تحرير الأرض المغتصبة أرض الأنبياء والشهداء وهم أكرم منا جميعا.
نغتنم هذه الذكرى لنشيد بمن امتلكوا إرادة الحياة واستجابوا لنداء واجب الجهاد على طريق التحرر من العجز والتردد لدحر الاحتلال واستعادة الأرض لكونها الوطن التاريخي لأمة العرب ولكونها مهبط الرسالات الإيمانية وما فيها من قيم الخير والتآخي الإنساني.
إن وقوفنا يوم الثلاثين من مارس/آذار من أجل الأرض لا يعني التذكير بما حدث من احتلال واغتصاب للحقوق التاريخية والجغرافية فقط وإنما يحمل دعوة إلى استنهاض الإرادة للدفاع عن الوجود والكرامة والسيادة القومية.
والدعوة هذه موجهة أساسا إلى أجيال النكبة والشباب العربي وريث النكسات حتى يكون على وعي وعلى معرفة بالحقوق التي أضاعها الحكام الأولون وتنازل عنها المتقاعسون الحاليون والمصابون بضعف الإيمان والانتماء فتجدهم عاجزين عن نصرة أمتهم وحماية أراضيها حيث انصبت جهود من بيدهم سدة الحكم على الاهتمام بما أفرزته التجزئة من كيانات قطرية وجدوا فيها مصالحهم الضيقة والآنية كفئات اعتمدتها القوى الاستعمارية عند تراجعها كاحتلال مباشر لتواصل مشروع تفكيك الوطن العربي وتفتيت وحدة الأمة، إذ اهتمت الأنظمة الناشئة على أنقاض مخطط التقسيم الاستعماري بالمسائل القطرية عبر تطوير التبعية والارتباط بقوى الدعم الخارجي التي زينت لورثائها كعملاء وأتباع أن استقلال كياناتهم السياسية وضمان استقرارها وتنميتها يستلزم التخلي عن القضايا القومية وأوهام الوحدة العربية وخاصة بعد حرب 1973، إذ بدأ النظام العربي الرسمي يدير ظهره للقضية الفلسطينية بدءا بخيانة السادات و"اتفاقية كامب ديفد".
تعمقت التجزئة وانسحبت مصر من المواجهة وخرجت فلسطين من يد العرب كليا لتصبح قضية دولية لكيان متنازع عليه بين شعب عربي معزول عن محيطه القومي وعصابات يهودية متعصبة وافدة من جميع أنحاء الأرض لتقيم بقوة الحديد والنار دولة صهيونية جانحة ومارقة على جميع القوانين والشرائع الدولية تلبية لنداء الأرض الموعودة وعقيدة "شعب الله المختار".
لم تكن جريمة 30 مارس/آذار 1976 الجريمة الأولى أو الأخيرة بل إن نشأة الدولة العبرية في حد ذاتها جريمة مكتملة الأركان والقرائن لم يستثن فيها المحتلون الصهاينة نمطا من القتل والتنكيل بالإنسان والتخريب والتدمير للمعمار والأرض من أجل تغيير الخريطة وطمس المعالم الحضارية العربية وتوسيع حدود الكيان الصهيوني العنصري، وهي سياسة إجرامية ما انفكت تتصاعد منذ وطأت العصابات الصهيونية أرض فلسطين تحت مظلة الاحتلال البريطاني وقد تفاقمت أكثر منذ الإعلان الرسمي سنة 1948 عن نشأة الكيان الصهيوني بدعم من القوى الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا وبتأييد مدعوم بقرارات أممية مجحفة حيث تم إقرار مشروع التقسيم والاعتراف بدولة الاحتلال الصهيوني.
وبقدر ما أصيب النظام العربي بالهزائم لاحقت آلة القتل والتهجير الشعب الفلسطيني لتحط من عزيمته وتفرض عليه القبول بالأمر الواقع. صمد الشعب الفلسطيني ومن خلفه القوى الحية في الأمة لكن الأنظمة القائمة والمنغمسة في أوضاعها الداخلية والهاربة من المواجهة والمقاومة شرعت تتآمر وتحاصر الثورة الفلسطينية لترويضها والدفع بها على طريق الاستسلام والاعتراف بالكيان الصهيوني.
وكلما ازداد الكيان الصهيوني قوة وعنجهية وتمردا على القرارات الأممية، ازداد النظام العربي الرسمي عجزا وقبولا بالاستسلام والتطبيع رغم ما يبديه الشعب العربي من المحيط إلى الخليج من إصرار على رفض الاعتراف بالاحتلال ومن انتصار ودعم للمقاومة الفلسطينية التي لم تتأخر يوما عن تقديم الشهداء ولازالت من أجل صد العدوان المتكرر وحماية الأرض من الاستحواذ الاستيطاني المتمدد باستمرار ومن التجريف وهدم المنازل وقطع الأشجار حتى أصبح مشهد إبادة الشعب العربي الفلسطيني مأساة يومية أمام مرأى ومسمع العالم كما أصبح الصمت الرسمي العربي ثقيلا وخانقا وإذا حدث تحرك ما فهو باتجاه الضغط على المقاومة الفلسطينية ودعوتها إلى نبذ العنف والى الحوار والتهدئة ومواصلة مشوار التفاوض من أجل السلام المزعوم بتطبيق اتفاقات أوسلو وما تبعها وخطة الطريق ومسلسل التنازلات سيظل يجر العرب جميعا إلى الحضيض.
والحقيقة أن تحرير الأرض من الاحتلال الاستيطاني لم ولن يكون عبر التفاوض وأن إيقاف عملية التوسع المتدرج وصد العدوان المتكرر لن يكون بغير كسر شوكة المعتدي، وقد عرف الشعب الفلسطيني أن المقاومة والمواجهة اليومية هي الطريق إلى استعادة الحقوق وأن استدامة تقويض أمن المستوطنين هو الحل لإيقاف التوسع والحد من استقدام المهاجرين "اليهود".
إن ذكرى يوم الأرض تدفعنا إلى تصليب إرادة المقاومة وتفعيل ثقافة الجهاد من أجل استرجاع الأرض المغتصبة والثأر للكرامة العربية. والمعركة من أجل الأرض ليست دفاعا عن حدود أو بهدف الحصول على دويلة مستقلة للشعب الفلسطيني على جزء مبتور ومقطع من أرضه التاريخية بل معركة الأمة من أجل الوجود والتحرر والتوحد أي معركة المصير الواحد طالما أن الأرض العربية مغتصبة في عربستان ولواء الاسكندرون وسبتة ومليلة وغيرها والاحتلال جاثم على أرض الرافدين والتهديدات بالتدخل في شؤون العرب لا حدود لها، فأي سيادة وأي كرامة وأي استقلال وأي أمن وأي مستقبل للعرب خارج سياق المقاومة كأمر مشروع دفاعا عن النفس وردا للعدوان والوحدة كسبيل لبناء القوة بتفعيل إرادة الأمة واستنهاض مقدراتها؟.
وبالمناسبة لا بد أن نذكر بأن الطمع اليهودي لا يعترف بحدود وأن الاحتلال الحالي وبجداره العازل محطة أولى على طريق مسيرة تحقيق "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل والدليل التحفيز المتواصل للهجرة اليهودية إلى فلسطين والى الأقطار العربية الأخرى أيضا والسعي المحموم لمزيد احتكار وتطوير أسلحة الدمار الشامل لضمان أمن الكيان الصهيوني آنيا ولضمان قوة التوسع والهيمنة مستقبلا وحماية مصالح "الشعب اليهودي" في كامل المنطقة بفرض التطبيع ومد النفوذ الأمني والسياسي والاقتصادي.
وأحد عناوين سياسة التغلغل "اليهودي" - الصهيوني "مشروع الشرق الأوسط الكبير" ومشاريع "الشراكة" وخطة "محاربة الإرهاب" والمقصود محو هوية المنطقة واجتثاث قوى المقاومة وتطهير العقول العربية من فكرة التوحيد والجهاد بما يقضي على العروبة والإسلام معا.
وهكذا يتم إعادة تشكيل ثقافة وخريطة المنطقة العربية على قاعدة التعدد العرقي والديني والطائفي ومن بينها أو في المقدمة منها "شعب الله المختار" كشعب فوق الشعوب بقوته النووية ونفوذه الدولي عبر الحركة الصهيونية العالمية ولوبياتها الإعلامية والمالية والسياسية.
إذن، ليس أمام الشعب العربي غير الاستعداد لمواجهة متعددة الأبعاد ولمقاومة متعددة الوسائل وأصبح لدينا أكثر من نموذج ناجح وفعال من المقاومة الشعبية، فهزيمة الجيش الصهيوني في جنوب لبنان واضطرار سلطة الاحتلال إلى بناء جدار عازل وإلى الانسحاب من غزة لدليل على أن إرادة الشعب عبر المقاومة لا تقهر. واليوم لنا في المقاومة العراقية نموذجا آخر لقهر الغزاة واستنزاف قوتهم البشرية والآلية بما أوقع الحلف الأنغلو-صهيوني في دوامة من الارتباك وهو دليل فشل القوة العسكرية الغازية وعجز من جاؤوا تحت رايتها في المسك بمقاليد السلطة والأمن فظلوا أسرى المنطقة الخضراء منها يديرون عصابات الانتقام والثأر ويفعّلون النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية لإضعاف وحدة الشعب العراقي تطبيقا لسياسة (فرق تسد). ومع ذلك تبقى المقاومة الوطنية الفرن الذي تكتوي بناره قوات الاحتلال والذي حوله تلتف وتلتحم القوى الوطنية الحية وكل الشرفاء والأحرار وهكذا تكون المقاومة وسيلة تحرير وتوحيد وما أحوج بقية الأقطار العربية إلى حركات مقاومة ضد الاستبداد والفساد حتى يكتمل مشهد التحرر ووحدة النضال والتقدم.
تحية للمقاومة والمجاهدين في العراق وفلسطين
وفك الله أسر المعتقلين في سجون الاحتلال وسجون الأنظمة المستبدة.